موضوع: العقيــدة أولاً الأحد نوفمبر 01, 2009 3:34 am
العقيــدة أولاً
فضيلة الشيخ/ صالح الفوزان
ولماذا العقيدة أولاً؟؟؟؟!!!!
العقيدة أولاً؛ لأنها أساس دعوة الأنبياء كما قال تعالى على لسان كل نبيٍ يرسله إلى قومه ( يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) [ هود 84].
العقيدة أولاً؛ لأنها الفيصل الحاسم بين الخلود في نار جهنم والنجاة منها ألم تسمع قول الله جل شأنه: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا). [ النساء 48]، والشرك أعظم ما ينافي التوحيد الذي هو أصل صحة العقيدة.
العقيدة أولاً؛ لأن الشرك بالله أعظم الظلم كما قال تعالى: ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ). [ لقمان 13].
العقيدة أولاً؛ لأن عالمنا الإسلامي اليوم إنما كان سبب تخلفه وانحطاطه ضياع الجوهر الحقيقي له وهو العقيدة الصافية، فقد شاب اعتقاد كثيرٍ من المسلمين اليوم أمورٌ شركية عظيمة من طواف بالقبور واستغاثة بأصحابها، وطلب الحوائج والمدد منهم فعادوا إلى الجاهلية الأولى وكأنهم لم يقرؤا أو يسمعوا قول الله تعالى: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ). [ فاطر 14]، ناهيك عن البدع الصوفية التي تعدت مستوى عامة المسلمين إلى الطبقة المثقفة والمتعلمة حتى أصبحت على مستوى الدول كالاحتفال بالمولد النبوي ومشاركة النصارى أعيادهم فضلاً عن الانحراف في السلوك والأخلاق وغير ذلك مما سنتناوله مفصلاً بادلته من الكتاب والسنة الصحيحة بإذن الله عز وجل.
وبعد هذا أخي الحبيب ألسنا محقين في قولنا " العقيدة أولاً "
وإنّا عازمون يإذن الله عز وجل نشر سلسلة كاملة من الدروس التي تبين العقيدة الصافية التي تمثل روح الإسلام الصحيح مؤيدةً بالأدلة النقلية الصحيحة الصريحة التي لا تدع مجالاً للشك؛ ليكون الأمر عن بينة ينشرح بها صدر المسلم الحق الذي يبحث عن النجاة فينهل من هذا المورد العذب دون خوفٍ من العواقب المهلكة بسوء الاعتقاد.
والله الموفق.
الشرك وأنواعه
أنواع الشرك:
الشرك هو جعل شريك لله تعالى في ربوبيته وإلهيته . والغالب الإشراك في الألوهية بأن يدعو مع الله غيره أو يصرف له شيئاً من أنواع العبادة كالذبح والنذر والخوف والرجاء والمحبة .
والشرك أعظم الذنوب وذلك لأمور:
لأنه تشبيه للمخلوق بالخالق في خصائص إلاهية - فمن أشرك مع الله أحداً فقد شبهه به. وهذا أعظم الظلم، قال تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (1)والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه. فمن عبد غير الله فقد وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها لغير مستحقها وذلك أعظم الظلم.
أن الله أخبر أنه لا يغفر لمن لم يتب منه - قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) (2)
أن الله أخبر أنه حرم الجنة على المشرك وأنه خالدٌ مخلدٌ في نار جهنم - قال تعالى( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) (3)
أن الشرك يحبـط جميع الأعمال - قال تعالى: ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (4) وقال تعالى: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (5)
أن المشرك حلال الدم والمال - قال تعالى: ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ )(6) وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) (7)
أن الشرك أكبر الكبائر - قال صلى الله عليه وسلّم: ( أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلاثًا قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الإشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) الحديث (. قال العلاّمة ابن القيّم "أخبر سبحانه أن القصد بالخلق والأمر أن يعرف بأسمائه وصفاته ويعبد وحده لا يشرك به. وأن يقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض كما قال تعالى: ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (9). فأخبر سبحانه أنه أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل - ومن أعظم القسط التوحيد وهو رأس العدل وقوامه. وأن الشرك ظلم كما قال تعالى: ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (10) فالشرك أظلم الظلم. والتوحيد أعدل العدل. فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر - إلى أن قال: فلما كان الشرك منافياً بالذات لهذا المقصود كان أكبر الكبائر على الإطلاق وحرم الله الجنة على كل مشرك وأباح دمه وماله وأهله لأهل التوحيد وأن يتخذوهم عبيداً لهم لما تركوا القيام بعبوديته. وأبى الله سبحانه أن يقبل لمشرك عملاً. أو يقبل له فيها رجاء. فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله. حيث جعل له من خلقه نداً. وذلك غاية الجهل به - كما أن غاية الظلم منه - وإن كان المشرك في الواقع لم يظلم ربه وإنما ظلم نفسه - "انتهى.(11)
أن الشرك تنقص وعيب نزه الرب سبحانه نفسه عنهما - فمن أشرك بالله فقد أثبت لله ما نزه نفسه عنه وهذا غاية المحادة لله تعالى وغاية المعاندة والمشاقة لله.
الشرك نوعان
النوع الأول:
شرك أكبر يخرج من الملة ويخلد صاحبه في النار إذا مات ولم يتب منه - وهو صرف شي من أنواع العبادة لغير الله - كدعاء غير الله والتقرب بالذبائح والنذور لغير الله من القبور والجن والشياطين ، والخوف من الموتى أو الجن أو الشياطين أن يضروه أويمرضوه ، ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلاّ الله من قضاء الحاجات وتفريج الكربات مما يمارس الآن حول الأضرحة المبنية على قبور الأولياء والصالحين. قال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) (12)
النوع الثاني:
شرك أصغر: لا يخرج من الملة لكنه ينقص التوحيد وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر وهو قسمان:
القسم الأول:
شرك ظاهر: وهو ألفاظ وأفعال. فالألفاظ كالحلف بغير الله - قال صلى الله عليه وسلّم: ( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ ) (13) - وقوله ما شاء الله وشئت - قال صلى الله عليه وسلّم لما قال رجل "ما شاء الله وشئت" فقال: ( جَعَلْتَنِي لِلَّهِ عَدْلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ ) (14) وقول "لولا الله وفلان" والصواب أن يقال: "ما شاء الله ثم فلان" و "لولا الله ثم فلان"؛ لأن "ثم" للترتيب مع التراخي تجعل مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله كما قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (15). وأما "الواو" فهي لمطلق الجمع والاشتراك لا تقتضي ترتيباً ولا تعقيباً. ومثله قول: "مالي إلاّ الله وأنت" و "هذا من بركات الله وبركاتك". وأما الأفعال فمثل لبس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه، ومثل تعليق التمائم خوفاً من العين وغيرها إذا اعتقد أن هذه أسباب لرفع البلاء أو دفعه فهذا شرك أصغر. لأن الله لم يجعل هذه أسباباً. أما إن اعتقد أنها تدفع أو ترفع البلاء بنفسها فهذا شركٌ أكبر، لأنه تعلق بغير الله.
القسم الثاني من الشرك الأصغر:
شرك خفي: وهو الشرك في الإرادات والنيات - كالرياء والسمعة - كأن يعمل عملاً مما يتقرب به إلى الله يريد ثناء الناس عليه - كأن يحسن صلاته أو يتصدق لأجل أن يمدح أو يثنى عليه، أو يتلفظ بالذكر ويحسن صوته بالتلاوة، لأجل أن يسمعه الناس فيثنوا عليه ويمدحوه والرياء إذا خالط العمل أبطله، قال تعالى: ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) (16). وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: ( أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا الشِّرْكُ الأصْغَرُ قَالَ: الرِّيَاءُ ) (17). ومنه العمل لأجل الطمع الدنيوي - كمن يحج أو يؤذن أو يؤم الناس، لأجل المال، أو يتعلّم العلم الشرعي أو يجاهد لأجل المال، قال النبي صلى الله عليه وسلّم: ( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ ) (18). قال الإمام ابن القيّم - رحمه الله تعالى- " وأما الشرك في الإرادات والنيات فذلك البحر الذي لا ساحل له وقل من ينجو منه، فمن أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئاً من غير التقرّب إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيته وإرادته - والإخلاص أن يخلص لله في أفعاله وأقواله وإرادته ونيته. وهذه هي الحنيفية ملة إبراهيم التي أمر الله بها عباده كلهم ولا يقبل من أحدٍ غيرها وهي حقيقة الإسلام كما قال تعالى: ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )(19). وهي ملة إبراهيم عليه السلام التي من رغب عنها فهو من السفهاء" انتهى. (20)
يتلخص مما مر أن هناك فروقاً بين الشرك الأكبر والأصغر وهي:
الشرك الأكبر يخرج من الملة والشرك الأصغر لا يخرج من الملة.
الشرك الأكبر يخلد صاحبه في النار والشرك الأصغر لا يخلد صاحبه فيها إن دخلها.
الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال ، والشرك الأصغر لا يحبط جميع الأعمال وإنما يحبط الرياء والعمل لأجل الدنيا والعمل الذي خالطاه فقط.
الشرك الأكبر يبيح الدم والمال والشرك الأصغر لا يبيحهما.